- تحت شعار "من اجلك انت"، افتتح الحزب الوطني الحاكم في مصر الجمعة اعمال مؤتمره العام، وسط حالة غير مسبوقة من الغموض والتوتر القلق بِشأن مصير سدة الحكم، وصعود تاريخي في بورصة الاسماء والتكهنات والاقتراحات والسيناريوهات بشأن خلافة الرئيس حسني مبارك، الذي من المفترض ان يلقي اليوم خطابا وصف بأنه هام امام المؤتمر قد يركز على قضايا التنمية دون التطرق لمسألة ما اذا كان يعتزم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2011.
ويرجع آخر ما قاله مبارك بهذا الشأن الى شباط (فبراير) 2007 عندما تعهد بالاستمرار "في تحمل المسؤولية ما دام في الصدر قلب ينبض".
ومن المتوقع ان يصعد تجاهل الرئيس للموضوع، حدة الجدل المحتدم بالفعل، في ظل تصريحات متضاربة من المسؤولين في الحكومة والحزب حول المرشح المتوقع في الانتخابات الرئاسية.
وكان صفوت الشريف الامين الاعام للحزب نفى اجراء اي تغييرات او انتخابات خلال المؤتمر، ردا على توقعات بتصعيد جديد للسيد جمال مبارك، في تباين واضح عن تصريحات رئيس الوزراء احمد نظيف التي اعتبر فيها ان جمال "مرشح ممكن للحزب" لتولي الرئاسة، واستدعت انتقادات واسعة.
وفي الجلسة الافتتاحية الجمعة برز جمال مبارك كمتحدث رئيسي حيث بلغت مدة الخطاب الذي القاه ضعف خطابات قادة الحزب الاخرين.
والقت الانباء حول محاكمة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، وهو صديق قديم للرئيس مبارك، بتهم فساد، القت بظلالها على المؤتمر بعد الجدل الذي اثاره اقتراح بـ"خروج آمن" لمبارك من الحكم، يكفله قانون يمنحه حصانة مدى الحياة من الملاحقات القضائية مقابل تعديل المادتين 76 و77 في الدستور، بما يكفل افساح المجال ام منافسة حقيقية على الرئاسة، وقصر الرئاسة على فترتين على الترتيب.
ورغم ما لقيه الاقتراح من عدم ممانعة لدى بعض المعارضين الا ان فقهاء قانونيين وسياسيين انتقدوه باعتبار انه "غير دستوري وغير واقعي"، حيث انه لا يمكن ان يتسع ليشمل اعضاء اسرة الرئيس.
ورأى مراقبون ان سيناريو ما يعرف بالتوريث، تعرض لأضرار جسيمة في الاسبوعين الماضيين، قد تجبر النظام على 'تحرك ما' لاستيعابها، ومن بينها:أن شخصيات ورموزا وطنية خرج بعضها من عباءة النظام، اصبحت تبدي تململا متزايدا من الشروط المجحفة للترشح كما تنص عليها المادة 76، ما يعني ان الانتخابات الرئاسية في 2011 لن تسمح بتنافس حقيقي ، وبالتالي فان الرئيس الذي ستفرزه مهما كان اسمه سيكون ناقص الشرعية.
وكذلك استقالة وزير النقل محمد منصور الصديق الشخصي لجمال مبارك، وأحد اركان ما يعرف بـ'دولة رجال الاعمال' في محاولة لتخفيف السخط الشعبي عشية المؤتمر العام للحزب، يؤكد فشلا مبكراً للحكم الفعلي لجمال مبارك الذي بدأ في العام 2004 مع اختياره لمعظم اعضاء الحكومة الحالية، فشل تمثل في ظواهر غير مسبوقة في تاريخ البلاد مثل وفاة العشرات في طوابير الخبز والمئات في قوارب الهجرة غير الشرعية وعشرات الالاف في حوادث وسائل النقل البرية والبحرية، ناهيك عن انتشار ظاهرة البلطجة، وتصاعد التعذيب والعنف المجتمعي، وتراجع مصر في قائمة الشفافية الدولية من المركز سبعين الى ما بعد المئة، ما يعني تفاقم استشراء الفساد، وتفجر كوارث صحية وبيئية تهدد حياة ملايين المواطنين، وعدم تحقق اي تقدم بشأن مشاريع وطنية مثل المفاعل النووي وتوشكى.
ومن تلك الأضرار ايضا انضمام مقربين من دوائر النظام الى المعارضة في تعبيرها عن الخوف من انفجار حالة من الفوضى العنيفة في حال حدوث فراغ مفاجئ في سدة الحكم. خوف يكرسه التزايد المتسارع للمناطق العشوائية التي يزيد عددها حاليا عن الف وثلاثمائة منطقة، ويعيش فيها نحو عشرين مليون شخص. ويكرسه ايضا شعور عام بالظلم يعاني منه نحو 75 بالمئة من المصريين حسب دراسة حكومية نشرت مؤخرا، مع تفاقم الازمة الاقتصادية وتراجع معدل النمو الى نحو اربعة بالمئة، وارتفاع بمعدل الزيادة السكانية، الذي يضيف نحو مليوني نسمة جديدة سنويا الى التعداد العام للسكان الذي يبلغ ثمانية وسبعين مليونا.
هذا فضلا عن الجدال غير مسبوق حول الموقف الحقيقي للمؤسسات الامنية والعسكرية من السيناريوهات المطروحة، وهي الحريصة عادة على ان تنأى بنفسها عن هذه القضايا، الا ان مناداة البعض بـ"حكومة انقاذ عسكرية" او بـ"مجلس امناء دستوري" باشراف من القوات المسلحة يذكر الجميع بأن الجيش يبقى القوة الحقيقية الوحيدة القادرة على حسم اي صراع او فوضى في قمة السلطة.
وقد حسم الحرس الجمهوري الصراع بين الرئيس الراحل انور السادات ومنافسيه في بداية السبعينيات. ويتلقى الحرس، وهو فرقة من النخبة في الجيش، اوامره من قائده فقط الذي يتلقى اوامره من رئيس الجمهورية وليس وزير الدفاع.
وعلى عكس ما يعتقد كثيرون فان مهمة الحرس الاساسية هي حماية النظام الجمهوري، وليس فقط حماية الرئيس الذي تتعاون عدة اجهزة امنية في حمايته.
ورغم مقاطعة بعض الاحزاب التاريخية مثل الوفد والتجمع ، الا ان الحملة الوطنية ضد التوريث التي دشنت مؤخرا استطاعت جمع حركات شعبية واحزابا سياسية، لم تكن تجتمع بسهولة من قبل مثل الغد والجبهة الديمقراطية والاخوان المسلمين وكفاية، الا ان اسئلة صعبة ما زالت تخيم على جدوى مثل هذه الحملات في ظل ما يبدو حالة من اللامبالاة الشعبية، وشكوك متبادلة حول المواقف الحقيقية والصراعات في كواليسها، وخاصة فيما يخص امكانية عقد الاخوان صفقة جديدة مع النظام بِشأن التوريث، مثل الصفقة التي اقروا مؤخرا بعقدها معه قبيل انتخابات عام 2005.
واخيرا ورغم تعدد السيناريوهات، وتكاثر "الخبراء الجدد" في الشأن المصري على الفضائيات، فان ما سيحدث فعلا يبقى لغزا مرتهنا في الغالب بمحصلة تصارع قوى بعضها لا يظهر للعلن اصلا الا في مفاصل تاريخية نادرة.
المصدر: صحيفة "القدس العربي".