الحب في زمن الفكر الجديد

كنت أكتب قصة جديدة.. وكانت القصة التي اكتبها موضوعها عاطفي رومانسي جدا وعصري من واقعنا الذي نكتوي به

وكعادتي كنت أعرض ما أخط على صديق عمري أحمد ليبدي رأيه فيما أكتب

كانت القصة التي ابتدرت الكتابة فيها تحوي الآتي

**********

كانت نسمات الهواء العليل تلامس سطح ماء النيل في رفق ونعومة لتصنع منه تموجات رقيقة تعكس آشعة الشمس في تتابع رائع يأخذ بالالباب

ووقفت انتظر محبوبتي

ثلاثة أعوام ونحن نتلاقي لنتناجي ونتبادل التعبير عن مشاعرنا العميقة والدفينة ونؤكد على مواثيق الحب والوفاء فيما بيننا

وأخيرا ظهرت تتهادي بثوبها الذي لم تفكر في تغييره منذ سبعة أشهر.. والله وحده اعلم من أي صديقاتها تستعيره

تلاقينا بكلمات السلام الحارة كالعادة .. وما إن جلسنا على ذلك السور المنخفض حتى انطلق نحونا الباعة الجائلين من كل صوب.. فقد وجدوا فريسة لا تعوض.. شاب برفقة فتاة

وكان أول المتسابقين في الوصول الينا بائع الترمس

- ربنا يخليكم لبعض .. ترمس يا آنسة ؟

نظرت نحوي متسائلة فقلت وأنا أبتلع ريقي بصعوبة راسما ابتسامة بلهاء على وجهي: هل تريدين ترمس يا حبيبتي للتسلية؟؟

أسبلت عينيها وهي تقول: لا مانع

يا بنت المجنونة.. أعلم تمام العلم بأن سطلا لا بأس به يحوي نفس الترمس ببيتك.. فهل الحبتين اللتين ستلتهمينهما هنا سيفرقون عما هناك؟؟ .. وتصورت الرقم الفلكي الذي سينطق به ذلك البائع مقابل تلك الحبات القليلة

ولكن الحمد لله.. كنت قد أعددت العدة لذلك.. فأخرجت من الكيس الذي أحمله قرطاسا رائعا وقلت لها تفضلي يا حياتي

نظر البائع نحوي نظرة غل وحقد وفحصني من أعلى لأسفل بنظره وكأنه يقول لي: لم أكن انتظر منك الكثير

التهمت القرطاس كله بنهم كأنها لم تتناول طعامها منذ دهر ولم تفكر حتى أن تعرض علي ولو حبة على سبيل المجاملة

قلت لها مسبلا عيني: هل تقبلين الزواج بي يا حبيبتي

كنت أري الكلمات المتشكلة داخل جمجمتها في وضوح والتي كانت تقول: نعم يا روح مامتك!!.. أمال انا سايباك تسرح بيا ثلاث سنين ليه ؟!!

ولكن خرجت تلك الكلمات مكونة جملة أخرى تقول: هذا حلم أصبو اليه منذ مولدي

مر بائع الفل.. فل يا آنسة ؟؟

لماذا لا يوجه هؤلاء القراصنة أسئلتهم لي ؟؟

نظرت نحوي النظرة اياها ولم استطع كبح جماح مشاعري.. فقلت للقناص مهاجما: هل رائحته طبيعية ؟؟

- اتفضلي شمي يا آنسة بنفسك

يا ابن الـ......, انا الذي يوجه الأسئلة لك

وبالطبع نجحت مناورته تلك فقد قالت: الله ريحته جميلة قوي

وبالطبع تلى ذلك اهتزازا لميزانيتي هزة هي نفسها الهزة الاقتصادية التي حدثت لروسيا عقب سقوط الإتحاد السوفيتي .

وبعد أن أكلت وشربت وتشممت كل ما تريد قالت لي: عندي لك خبر فظيع مش عارفة أقوله ازاي

- يا ساتر يارب.. اوعي تقولي الموبيل اتسرق

- لا مش الموبيل .. الموضوع إن سيد بسة السباك متقدم لي وجايب شبكة بعشرة الاف جنية وشقة 4 أوض متشطبة سوبر لوكس وهيشيل الجهاز كله وأبويا وأمي موافقين وأنا مش عارفة أعمل ايه؟

- يا حبيبتي الحب اللي بينا أكبر من أي ظروف وأكيد هتعدي

- أيوة بس الحب اللي بينا هيجهزنا ويجيب الشبكة والشقة امتى ؟؟ .. أنا باقول نخلي الحب اللي بينا ده أكبر من كل الماديات ويبقي أجمل ذكرى عشناها.. ولا ايه رأيك ؟؟


قلت: رأي ايه بقى ؟!!.. قومي الحقي احجزي الكوافير.. سيد بسة في انتظارك

**********

قرأ صديقي أحمد ما مر وقال لي: القصة غير واقعية يا صديقي.. وشرح لي وجهة نظره.. بأن الحبيب وحبيبته من الطبقة الوسطي والتي تمثل أغلب الشعب المصري ومن هنا وكما شرحت بأن الحبيبة تكتوي بنار الحالة الاقتصادية التي يعيشها هو.. يجب عليها أن تشعر هي به وتحاول كفة عن الاسراف لا أن تكون مصدر تبديد ثرواته التي من المفترض أنها ستؤول اليها في النهاية

كان كلامه منطقيا ولهذا مزقت ما سبق.. وعدت للحظة مجيء بائع الترمس

**********

- ربنا يخليكم لبعض .. ترمس يا آنسة ؟؟

ولقد عضت على نواجذها وأظهرت أنيابها وهي ترد عليه قائلة: انت ياله بقالك ثلاث سنين شايفنا بنيجي هنا.. كنت شفتنا يا حيلة مامتك اشترينا مرة حاجة من أي حد.. يالله يا ننوس روح لقط رزقك بعيد عننا

كم هي رائعة حبيبتي هذه.. وعلى الفور أخرجت لها قرطاس الترمس الذي كنت معدا له كوسيلة دفاع احتياطية لو ضعفت أمام الالحاح المتكرر

فقالت لي: خليه في الكيس اتسلى أنت بيه في الاتوبيس وانت مروح عندنا منه كثير.. المهم دلوقتي.. انت بقالك 3 سنين مجرجرني هنا وبتسمعني أحلى كلام.. آخرة ده كله إيه ؟؟

- نتجوز طبعا يا حبيبتي

- جميل قوي .. وأنت جاهز ولا بابا هيجهزك ؟؟

- بابا كتّر الف خيره كفايه أنه رباني وكبرني وعلمني

- حلو خالص يبقي يا حلو لازم تشتغل شغلانة تجهز بيها نفسك.. انت خريج آداب قسم فلسفة من سبع سنين صح ؟؟

- ايوة فعلاً

- ده آخر حلاوة.. أكيد هيساعدك أنك تتعين بيه في محل شنط حريمي.. بس ابعد عن محلات الموسكي.. الستات هناك بتفاصل لدرجة أنها ممكن تاخد منك البضاعة وعليها فلوس.. انزل على المولات

- حاضر ماشي

فكرت مليا واطرقت بوجهها ثم قالت: نقول مثلا انك مرتبك هيبقي عدل وهتاخد تسعين جنيه في الشهر.. وبالبقشيش هتجيب لك 300 جنيه.. وهتصرف في الشهر 100 جنيه مواصلات وأكل وهلس.. يبقي الباقي بعد اربعين سنة ممكن تدفع بهم مقدم شقة أودتين وصالة على المحارة ايجار جديد.. طيب أستأذنك أنا بقة ومش عايزة اعطلك وربنا يرزقك ببنت الحلال اللي تسعدك ..

**********

قرأ صديقي أحمد ما فات وهز رأسه غير راض أيضا وقال لي: قصتك تفتقد للحبكة يا صديقي لا يوجد بها صراع وهبوط وصعود.. أعط البطل حق الصراع ولتمنحه بعض الأمل ولا تجعل حبيبته تتخلي عنه بهذه السرعة

اقتنعت برأيه أيضا ومزقت ما فات وبدأت من النقطة التي سألته فيها عن مصيرهما ..
**********

- جميل قوي .. وأنت جاهز ولا بابا هيجهزك ؟؟

- أنا عايز أبشرك بالمفاجأة اللي قلت لك عليها في الموبيل

- بشرني بسرعة

انت طبعا متابعة انتخابات نظارة العزبة .. وشفتي بنفسك إن الرجل اللي اشترى العزبة ..رغم أنه شاريها بالناس اللي فيها وولاده هيورثونا من بعده تواضعا منه وتفضلا وتكرما علينا نازل الانتخابات شايفة التواضع .. ووعد بأنه هيبني 7 مليون مصنع وهيشغل فيهم 700 الف شاب.. يعني كل شاب هيكون من نصيبة 1000 مصنع يشغلهم لوحده.. شوفي بقى العز اللي حبيبك هيعيش فيه لما يمسك ألف مصنع لوحده

- وده هيبقى أمتى يا حبة عيني ؟؟

- هو بس ينجح وشوفي اللي هيحصل.. الناس دي قادرة قوي .. تخيلي ايرادات قناة السويس والسياحة والبترول والجمارك لوحدها دي مليارات الدولارات أكيد محوشها لزنقة زي دي

وتطرق حبيبته برأسها حيث لم تستطتع أن تفه بحرف أمام منطقة المفحم

**********

وبعد سنين عدة.. يجلس شيخان مترهلان في نفس المنطقة ويأتي بائع الترمس مسرعا.. ويقول: ربنا يخليكم لبعض.. ترمس ياحاجة ؟؟

فتكشر عن موضع أنيابها حين كان لها أنياب وتقول له: انت يابني بقالك 50 شنة بتشوفنا بنيجي هنا.. شفتنا مرة اشترينا حاجة من حد ؟!! يالله يا ننوش روح لقط رزقك بعيد عننا

**********

-تمت بحمد الله-